الجبهة الشعبية ، نص 1: ردود خاطفة على الوطد و ميليشيات اليسراوية /بقلم سفيان بوزيد )


Image

لزال حزب الوطني الإشتراكي الثوري و هو أحد الأحزاب التي لم تنضج بعد سيّاسيّا و لزالت تعاني داخلها من سطحيّة التحاليل و عدم صحة رؤيتها للواقع السيّاسي التونسي ، نحن ننطلق من تعريف واضح لمفهوم  » السياسة  » اي موازين القوى و دراسة العلائقية التي تربط بين الطبقات داخل المجتمع و الحزب/التحالف/العمل المشترك/الجبهة / يعمل على القياس و الملاحظة و سرعة البديهة في اتخاذ التحالفات و الالتقاءات في لحظة تاريخية معيّنة وكيفيّة التعامل مع الحليف او الخصم .

و يذكر ان السيد سمير حمودة قد قام بالرد في وقت سابق على بيان اصدره حزب الوطد الثوري بعنوان  »   «الصراع الأمريكي الفرنسي على تونس ومؤتمر الحوار الوطني » حيث انتقل الحزب من موقع النقد فالافتراء فاتهام و تخوين لقيادة الجبهة الشعبية و اتهامها بالعمالة .

و لزال الحزب يواصل سياسته هذه التي عمقت في عزلته عن الساحة الشعبية و السيّاسيّة على اعتبار ان الدارس للواقع الحراك الثوري من نواة المجتمع الى شبكات المجتمع المدني و المثقفين الى ان تتوج سيّاسيّا يوقن انها حسمت في عدوّها الرجعي الممثلة اساسا في حركة النهضة بعد ان قطعت شوطا هاما في القطع مع الحزب الحاكم النوفمبري و هاهي الآن تحسم مع بعض الاحزاب التي تخدم بشعارتها الجوفاء المتعالية على جدلية الثورة لتسقط بذلك في فخّ « الثورجيّة » الزائفة و الجبهة الشعبية ليست ترد او توضحّ فالمسار الذي اتخذته على شديد الصحّة و عمق قرائتها للواقع.

تشكيك في وطنية الثورة : 

رغم الهجمة الشرسة التي تقدح في وطنيّة الثورة من وسائل اعلام رجعّية المدعومة بالمال الفاسد و بعمل مخابراتي كبير مسنود من الحكّام الجدد و كأنّ الشعب التونسي لم يعرف ساحات النضال منذ قدمه من مقاومة للاحتلال الروماني الى غزو العرب لشمال افريقيا تحت قيادة الملكة ديهيا بنت تابنة ( يسميّها العرب : الكاهنة) الى اعلان الكفاح السياسي و العسكري ضد الامبريالية الفرنسية و خوضه لنضالات عديدة طيلة عهد حكم بورقيبة نذكر منها خاصة انتفاضة الفلاحين خلال الستينات ، الحركة الطلابية 5 فيفري المجيدة ، الاضراب العام سنة 1978 ، انتفاضة الخبز سنة 1984 ، مواجهة المناضلين السياسيين و النقابيين للقمع البوليسي الرهيب في اواخر الثمانينات و بداية التسعينات ، انتفاضة الحوض المنجمي و لتتوج هذه المسارات كافة بثورة عارمة هزّت عرش المخلوع المدعوم لاخر لحظات حكمه من قوى امبريالية كبرى .

ففي المعارك الكبرى و اللحظات التاريخية الحاسمة تظهر اليسراوية الثورجية ليزيدوا لا في مجرد التهافت الثورجي بل ليخدموا بصفة آنيّة الرجعية النهضاوية حيث ان تعجلهم التخريبي على اعتبار انهم يدعون لاستكمال المسار الثوري في اتجاه سياسي وطني قومي ثوري او مجالسي و كأنّ به القوة الدافعة العماليّة جاهزة او تونس حسمت معركتها الاولى ضد اخونة الدولة و تخريب هياكلها و طمس مكاسبها الوطنية او كأن ميزان القوى الحالي يسمح باحلامهم … الخطير في الامر انهم لا يشاركون لا في عمل سياسي او تأطيري او تعبوي و الواجب الحالي تركهم ينبحون في حاناتهم و مقاهيهم لعدم استنزاف قوى المناضلين في حروب جانبية

 

يعتبر الوطد ان ما حصل في تونس في 17-ديسمبر /14 – جانفي انّها انتفاضة وفي ذلك تعسّف كبير فالثورة اصلا تتخذّ شكلا من اشكال الانتفاضة لكنها لا تنتهي باسقاط النظام ( ببناه الفوقيّة و التحتيّة ) اذن لا توجد ثورة تقلب في لحظة او زمن وجيز النظام بأكمله اذ انّها مسار لم تحسم الى حد الآن لصالح القوى الوطنيّة او الرجعية و ثورة لأنّ  الثورة لا يقوم بها حزب واحد أو عصبة من الرجال مهما كانوا متحمسين وذوي عزم فالثورة موقف نتاج ثوري وينتج هذا الموقف من تفاعل عدة عوامل وهي :

 

 تذمر مزمن لدى طبقات المجتمع تجاه الوضع القائم . 

 

 انقسام بين أعضاء الطبقة الحاكمة وهو انفصال قطاعات مهمة عن بعضها . 

 

تكرار الأزمات وبشكل متزايد .

 

 احتجاجات ومظاهرات . 

 

 انهيار النظام القائم نهائيا .

 

ان الثورة لا يمكن ان تنجح الا اذا اقتنع الجمهور بها وانها تريد تغيرالنظام القائم ويثبت الحكام عجزهم في تسيير البلاد وعندها تأتي الثورة بشكل قوي وعنيف ودور القوة هنا هو استئصال حثالة النظام وتمهيد السبيل بنظام جديد و يتميز المسار الثوري بطول فترته الزمنية و بنضج الاحزاب الثورية و قدرتها على التعبئة الجماهيرية

 

الجبهة الشعبية :

 

تعتبر الجبهة الشعبية وليدة مسار طويل لتجارب الوحدة و العمل المشترك و الجبهاوية و لعل ابرزها هيئة 18 اكتوبر 2005 التي كانت رائدة حيث جمعت تيّارات مختلفة و ذو توجهات ايديولوجية متعددة و رغم النقد الذي وجه اليها « من جماعة الركشة  » الاّ ان نجحت انذاك في فضح النظام الدكتاتوري النوفمبري امام الرأي الوطني و العالمي ممّا ساهم في التعريف بحقيقة النظام الحاكم انذاك و قد لقى صدى واسعا لدى عدد هام من الاكادميين و المثقفيين و الحركة النقابية و السياسية كما لدى المنظمات الحقوقية و التقدمية خارج تونس … و بعد انطلاق المسار الثوري فكانت جبهة 14 جانفي ثم  الجبهة الشعبية 1 و الجبهة الشعبية الحالية و التي تضم الان في صفوفها 12 حزبا علاوة على نسيج جمعياتي و مدني و نسوي مساند لها كما أنّها أضحت قوة فاعلة في تأطير التحركات الاحتجاجية و قيادة بعضها و تقديم الحلول الموضوعية لمشاكل الجهات و الانخراط صلب العمل الشعبي . . . هذا التطور التاريخي في التجربة الجبهاوية و العمل المشترك غابت عن الوطد الثوري

 

الجبهة الشعبية و جبهة الانقاذ الوطني:

لا يخفى علينا ان الصراع الكبير الآن سياسيا هو بين الليبرالية الحداثية و بين اليمين الاخواني الذي نجني في ظرف عامين هول الاحداث التي مرت به البلاد ، فالوضوح الأني هو العمل الحثيث لتوسيع دائرة الاصدقاء و عزل الاعداء و تضييق الخناق عليهم و تعميق ازمتهم ، فبعد نجاحها المبدئي في تجميع الاحزاب الوطنية من مشارب فكرية متختلفة تحولت الجبهة الشعبية الى مرحلة اكثر نضجا و هي تكتيل القوى السيّاسية ضد حكومة الترويكا خاصة بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد و عزل الحركة شعبيا و سياسّيا ،  الجبهة الشعبية تعي انّها متمايزة على نداء تونس و ليس نداء تونس فقط بل على كثير من الاحزاب الليبرالية لكنها استراتيجيا في البعد الوطني و الاقتصادي و الاجتماعي الخ ، و لكنّها لا توجه رماحها او تهاجم في نفس الوقت كلا اليمين (الليبرالي الحداثي و اليمين الاخواني ) بل تقتضي المرحلة الإنيّة الحالية التحالف مع القوى الليبرالية الحداثية و في ذلك لا تتعارض مع مخططها الاستراتيجي المستقبل بل لأن و أولا مصلحة للشعب التونسي  و ثانيا حماية للدولة من الانهيار و الانزلاق نحو أتون الحرب الأهلية و رابعا ان لكافة الاحزاب مصلحة في هذا التحالف.

و من ناحية اخرى يقول الوطد الثوري ان الجبهة الشعبية شرعت « ثوريّا » لعودة التجمعيين لتساهم بذلك في انتاج الحزب الحاكم الذي حكم التونسيين بقبضة من حديد لاكثر من خمسين سنة . . . و الغريب في الأمْرِ ان الوطد الثوري لم يوجهه الى السلطة الترويكا الحاكمة في تونس بضرورة محاسبة التجمعيين المورطيين في الدكتاتورية في ظلّ عدالة انتقاليّة لا انتقامية و لا انتقاميّة لينخرط في ذلك في خندق اخواني ماكر من شيطنة الجبهة الشعبية و جبهة الانقاذ و غاب عنه ان ما تأسيس جبهة الانقاذ ما كان الاّ في ظرف خطير مرتّ به البلاد عقب اغتيال الشهيد محمد ابراهمي محملة الجريمة الترويكا، وعلى رأسها حركة «النهضة» مسؤولية انتشار العنف والتحريض عليه والجريمة السياسية المنظّمة التي طالت لطفي نقض، شكري بلعيد ومحمد البراهمي واكبتها تحركات الشعب و التي دعته الى الاستمرار في التحركات التي بدأهاوالتظاهر والاعتصام السلميّين في مقرّات السلطة المحلية والجهوية والاعتصام بمقر المجلس الوطني التأسيسي لفرض حلّه، حلّ هيئات السلطة المؤقتة المنبثقة عنه . . . كلّ هذه الاهداف و المهّام المباشرة غابت من جديد على حزب الوطد الثوري و هو ما يبيّن كذب قيادتها و افتراءها و تعمدهّا سياسة عدم الخوض في عمق المرحلة و عَمَيْهَا امام خطورة الاوضاع التي اوصلت اليها البلاد آنذاك .

 

الجبهة الشعبية و « ابتلاعها من نداء تونس » 

 

غاب عن ذهن الوطد الثوري ان ندوة سوسة في جوان 2013 كانت لصياغة مشروع الجبهة المستقبلي و هو كما ذكرنا سابقا في تشكيل جبهة الانقاذ حيث انه كان مقترحا و مفعلا من الجبهة الشعبية و عملت على تسريع تشكيل جبهة الانقاذ ساهم في التسريع بتشكيلها الواقع الموضوعي اغتيال الشهيد الابراهمي و الواقع الخارجي و هي ثورة 30 جوان المصرية الشعبية.

 

في نفس السياق يعتقد الوطد الثوري المطعميّن ببعض الجاليات الماركجسية و القومجية باعطائنا دروسا خاصة في التكتيك السياسي و العمل الآني و الاستراتجي فهم يعتقدون ان الجبهة الشعبية  » حربوشة « يسهل » ابتلاعها من الاتحاد من اجل تونس او ان مجلس أمناءها و مكتبها تنفيذي ضعيف الى حدّ أنه قد يسهل التلاعب به ثم رميه و لنكن واضحين ان الجبهة الشعبيّة لها من الصلابة المبدئية و الوحدة الهيكلية و التواصل الأفقي مع كافة تنسيقياتها و التعبئة العامة ( كان اخرها اجتماع صفاقس في 19 جانفي 2013 ) الذي يثبت بصفة واحدة حجم انتشارها في ثاني اكبر ولاية اقتصادية و ديمغرافية في الجمهورية.

الجبهة الشعبية لم تكن اعتباطية في مسارها  بل كلّ شيء يخضع لمتغيّرات الواقع التونسي المقترن جدليّا بالمحيط العالمي علما ان لقاءات الجبهة الشعبية مع السفراء الاجانب لم تكن بطلب من الجبهة بل بطلب من السفراء كما ان قيادات الشعبية رفضوا رفضا قطعا التدخل الخارجي او الامبريالي في البلاد التونسية و ما كانت مواقفهم الاّ توضيحا لبعض التشويهات التي تروجها حركة النهضة ( من انه اذا تولت الجبهة الشعبية الحكم ستقطع العلاقات الاروبية / التونسية مثلا او ستعمل على تهجير رجال الاعمال الاروبيين و في هذا كانت الجبهة واضحة وضوح الشمس : التعامل بالند للند مع الدول الخارجية و القائمة على مبدأ التعامل المحترم و عدم نهب ثروات البلاد او اضطهاد الكادحين التونسيين الخ ). . .

 

الخطاب الثوري المزعوم و التحاليل النرجسية لثورة و لمشهد سياسي معقد

 

لا يغيب عنّا عن المشهد السيّاسي التونسي اضحى من التعقيد ما يلزمه من رباطة جأش و تمعّن دقيق و المام بتطور الحراك الثوري و ضرورة عقد التحالفات بنسيج واسع من الجمعيات و بإسناد شعبي هام و هذا يقتضي قراءة الفترة التاريخية التي نعيشها و القوى الديناميكية الموجودة في تلك الفترة و لكن هل يمكن بخطاب او ببيان ثوري مزعوم ان نصحح المسار الثوري ؟ ام الافضل الانخراط في جبهة ديمقراطية مدنية تؤسس لدولة الوطنية الاجتماعية المنشودة تقطع مع الاقتصاد التابع و العمالة للاستعمار و تغريب الانسان ؟  

ما تخوضه الجبهة الشعبية من نضال يومي يقتضي  الجمع بين الأشكال النضالية المتعددة و الاشتراك في البرلمانات مهما بلغت من عفونة ورجعية، واستغلالها كواجهة للنضال والفضح والتشهير بأنظمة الاستبداد والاستغلال، الانخراط في الجمعيات والنوادي والنقابات، العمالية، ولو كانت قيادتها رجعية ومساومة ومتكالبة على حقوق العمال والعاملات، القبول ببعض المساومات السياسية المشروطة، ورفض شعار « لا مساومة »، أو اتخاذه قاعدة لجميع الحالات، نهج تاكتيك التحالفات مع قوى سياسية تقدمية، بورجوازية أو بورجوازية صغيرة، مناهضة لنظام الحكم المطلق ولجميع أشكال الحكم المستبدة (وديع السرغيني )    

الجبهة الشعبية هيكليّا مستقلة بذاتها عن اي تحالف آخر او عمل مشترك مهما بلغت من حجم تشعبّ القاعدة و تقاطع الرؤى و هو ما يسمح لها دائما الحفاظ حول على استقلاليتها التنظيمية و وحدة قرارتها و صلابة موقفها و سرعة التواصل مع كافة هياكلها .

عاشت الجبهة الشعبية 

A propos soufiene bouzid

لا يهمّ السبب الذي نبكي من أجله ، فقد كانت قلوبنا تمتلئ بالأحزان لدرجة أنّ أيّ شيء يكفي ليكون سبباً ... عبد الرحمن منيف/ شرق المتوسط
Cet article, publié dans l'actu, est tagué . Ajoutez ce permalien à vos favoris.

2 commentaires pour الجبهة الشعبية ، نص 1: ردود خاطفة على الوطد و ميليشيات اليسراوية /بقلم سفيان بوزيد )

  1. Ali Aouadi dit :

    لماذا تختصر تسمية ما يسمّى « الحزب الوطني الاشتراكي الثوري » في « الوطد »؟ هناك وطد وحيد أوحد هو حزب الشهيد شكري بلعيد، أرجو يكون ذلك سهوا منك وليس عمدا لخلق الخلط في أذهان القارئ

    J’aime

Laisser un commentaire